شهدت العاصمة السودانية حدثاً استثنائياً، تمثل في
عقد قران الرئيس التشادي، إدريس ديبي، على كريمة الشيخ موسى هلال، شيخ قبيلة
المحاميد، أكبر بطون قبيلة الرزيقات في دارفور، أماني، خريجة «جامعة الرباط» في
الخرطوم، قسم الأشعة.
فقد
تحولت مراسم الزواج الفريد إلى تظاهرة سياسية، وسط إجراءات أمنية مشددة. وشهد فندق
السلام روتانا تجمعاً كبيراً من رجال الدولة والسياسة ورموز دارفور وقياداتها، إذ
كان الرئيس السوداني عمر البشير وكيلاً عن العروس أماني، بينما كان خال الرئيس
التشادي عبدالله بانقي، وكيلا عنه، لعدم حضوره المناسبة، إذ ابتهج الطرفان وسط
أهازيج وأناشيد حماسية. وأجرى مراسم العقد حفيد الشيخ أحمد التيجاني، مؤسس الطريقة
التيجانية، من منطقة أبوماضي بالجزائر، وقد دعي خصيصاً لهذه المناسبة، علماً بأن
الشيخ موسى هلال من أتباع الطريقة التيجانية.
وذكرت
صحيفة «الانتباهة» السودانية أن وفداً يتكون من 24 شخصاً من أسرة الرئيس ادريس ديبي
والحكومة التشادية، بقيادة دوسة ديبي شقيق الرئيس، قد حضروا الفرح الرئاسي. وحضر
مراسم عقد القران كبار قيادات الدولة والوزراء ورموز المجتمع السوداني وزعماء
القبائل وعدد من الدبلوماسيين الأجانب والسفراء، وأقيم حفل غنائي كبير احتفالاً
بالمناسبة.
واصطف
العشرات من قادة القبائل ورموز دارفور في بهو الفندق مستقبلين ضيوفهم الذين توافدوا
عقب صلاة الجمعة. وبدأت مراسم زفاف الرئيس التشادي، إلى كريمة موسى هلال، زعيم «الجنجويد»
في إقليم دارفور المتاخم للحدود الشرقية لتشاد، المتهم من قبل المحكمة الجنائية
الدولية، بهدوء يشوبه الحذر، في الحديقة الشمالية لفندق السلام روتانا، إذ كان
الوجود الأمني والشرطي بصورة كثيفة طغت على الحضور من ضيوف الحفل.
وكانت
«كوشة» العرس عبارة عن تحفة من الأضواء، إذ صممت في شكل قبة بيضاء، منسدلة على
جانبيها مجموعة من الستائر، وعلّقت على سقفها سلاسل من الكريستال، فيما وضعت داخلها
أريكة بيضاء عليها قماش من الستان ممزوج بالكريستال، وكانت مجموعة من القوات
الأمنية الخاصة، مسلحين ببنادق كلاشينكوف على جانبي الكوشة وفي الطريق المؤدي
إليها.
و***********ت
مجموعة من شاشات البلازما على جانبي الساحة، كانت تعرض صوراً للعروس منذ طفولتها،
ووضح من خلال الصور المعروضة أن «أماني» عاشت حياة ترف ونعيم منذ طفولتها، كما عرضت
صورة لها بالحناء، وصورة أخرى وهي ترتدي «روب» التخرج.
وكيل
العروس كانت
أجواء عقد القران في الرابعة عصراً لا تختلف عن أجواء حفل الزفاف، فهناك حضور كثيف
من كل أطياف المجتمع السوداني والدارفوري على وجه الخصوص دون تمايز قبلي أو إثني،
والرئيس عمر البشير كان على المائدة الرئيسة وإلى جواره موسى هلال.
وكشفت
مصادر في الخرطوم أن الرئيس التشادي الذي تجاوز عمره الـ50 عاماً، دفع
مهراً قدره 26 مليون دولار لكريمة الشيخ موسى هلال، بواقع 25 مليون دولار
لوالد العروس، ومليون دولار للعروس في صورة ذهب ومجوهرات ثمينة وشيلة العروس، في
زيجة أثارت جدلاً كبيراً في السودان وتشاد على حد سواء. وكانت صحف الخرطوم قد تحدثت
عن خطط تقودها سيدة تشاد الأولى (هندا) لإفشال زيجة ديبي، الذي تميز بتعدد الزوجات.
وتأجلت
مراسم الزواج أكثر من مرة، بسبب أنباء تتحدث عن اعتراضات ونصائح من قبل أسرة الرئيس
التشادي، نصحته بإلغاء زواجه من كريمة هلال، بحجة أن والد العروس مطلوب من المحكمة
الجنائية الدولية، وربما تُدخل المصاهرة تشاد في مشكلات مع المحكمة الجنائية التي
ستطالب تشاد بتسليمه لها كلما زارها، مؤكدين أنهم لن يستطيعوا تسليمه، باعتبار أنه
صهرهم.
ومن
أسباب المطالبة بإلغاء الزواج أيضاً، اتهام بعض زعماء القبائل التشادية الشيخ موسى
هلال بإدارة ما يعرف بـ«الجنجويد» في دارفور، الأمر الذي سيدخل تشاد في احتجاج من
بعض القبائل، التي تعتبر أن لزعيم المحاميد دوراً في تأجيج الصراع بدارفور.
وخرج
والد العروس موسى هلال، عن صمته ليرد على من يتهمه بـ«بيع» ابنته من أجل الملايين،
خصوصاً أن ديبي تجاوز الـ،50 وهي لاتزال في العشرينات، مؤكدا أن الأمر له جانب
اجتماعي فقط، وليس له أي بعد سياسي، قائلاً: «نحن في دارفور أو في المناطق الطرفية
نتداخل ونتصاهر، وهذه طبيعة الحياة في أي منطقة».
من الجامعة
إلى القصر ونفت (أماني)
التي تخرجت في جامعة الرباط الوطني بالخرطوم، إجبارها على الزواج من ديبي، قائلة «لم
يجبرني أحد على هذه الزيجة، فلسنا في العصر الحجري، أنا فتاة جامعية ومتعلمة وواعية،
وأعلم جيداً ما يدور حولي». وكشفت العروس عن أنها تتابع وتقرأ كل الكلام الذي كتب
عنها في الصحف وعلى الإنترنت.
وعن
تفاصيل لقائها الأول بالرئيس التشادي، قالت: «زارنا الرئيس ديبي في منزل والدي،
وجلست معه برفقة والدتي، وتحدثت إليه، بعدها استخرت الله مرة أخرى، حتى أبلغت والدي
بالموافقة، ولا أظن أن والدي بحاجة لأموال لكي يقوم ببيعي، كما يقولون، فأنا لست
سلعة لأباع وأشترى، بل إنسانة واعية بالقدر الذي يجعلني أفهم أبعاداً كثيرة عن
عادات وتقاليد أهلي، والمصاهرة والتداخل بين القبائل، ونبذ القبلية، والتواصل
والامتداد، كما أنه زواج على سنة الله ورسوله، وليس صفقة يفترض أن يتربح منها أحد
الأطراف، كما يقول من لا يعقلون ويتدخلون في شؤوننا الخاصة».
وكان
ديبي قد تقدم لخطبتها خلال زيارته الأخيرة للخرطوم في نوفمبر الماضي. وينتمي الرئيس
الشادي إلى قبيلة الزغاوة، وهي قبيلة إفريقية ينتشر أفرادها بين السودان وتشاد،
وتتهم بأنها مثلت الثقل الاساسي لحركات دارفور المتمردة، وظلّ ديبي يدعم هذه
الحركات حتى عام ،2009 عندما وقّعت الحكومة السودانية معه اتفاقا نص على نشر قوات
مشتركة للبلدين على حدودهما.
تعدد
الزيجات تجدر
الإشارة إلى أن الرئيس ديبي يُعرف بتعدد الزيجات، لأغراض وأهداف مختلفة، حيث تزوج
خلال مسيرته 13 امرأة، لكن الراجح أن للرجل ثلاث زوجات في عصمته، هن «زينة»،
و«حليمة» أم أولاده، وهاتان الزوجتان لم تعرف لهما أنشطة سياسية أو اجتماعية، وعلى
ما يبدو أنهما مشغولتان بتربية أبناء الرئيس، الذين يقدر عددهم بأكثر من 12 ابناً
وابنة. أما زوجته الثالثة، وهي التي يطلق عليها سيدة تشاد الأولى، فهي هندا عقيل من
مواليد عام ،1977 وتنتمي إلى قبيلة الرزيقات العربية في تشاد، درست إدارة الأعمال
في المغرب، إضافة إلى الدراسة في فرنسا ومونتريال بكندا، التقاها ديبي للمرة الأولى
في أكتوبر ،2004 وتزوجها في خريف ،2006 فهي سيدة مثقفة وقوية الشخصية، وقد استطاعت
السيدة «هندا»، التي دأبت على ارتداء الثوب السوداني المنتشر في تشاد، على الظهور
المتكرر مع زوجها في المناسبات العامة، كما أنها تتقلد منصب سكرتيرة الرئيس، وتعتني
بالشؤون الخاصة به، وتتابع كل الأمور الخاصة به وبالقصر، وقد لعبت العديد من
الأدوار السياسية، لعل أبرزها قيامها بإلقاء كلمة نيابة عن الرئيس أمام قادة
الاتحاد الإفريقي، وقال عنها ديبي إنها تقدم له المشورة في كل قرار يتخذه.